بقلم: ولـيد بـويـز
الديجافو Deja Vu كلمة فرنسية تعني”قد حدث من قبل” وتعني حرفياً بالإنجليزي already seen وهي الإحساس بالألفة مع شيء يُفترض أنه ليس كذلك، مثال: تسافر لمكان لأوَّل مرَّة في حياتك وتدخل مطعم مع أصدقائك وتجلسون إلى الطاولة وتتناولون عشائكم بينما تتناقشون في موضوعٍ ما وفجأة دون مقدّمات ينتابك الشعور بأنّك قد مررت بهذه اللحظة (بكل ما فيها) من قبل… نفس المكان، نفس العشاء، نفس الموضوع، نفس الأوجه المحيطة بك… كل شيء، كأنّه حدث من قبل… ولكن أين؟ متى؟ لا تتذكر! وليس هذا فقط… بل إنّك قد تتذكّر ما سيحصل في الثواني القادمة (كأن يسقط شيء أو يمر شخص ما أو أي شيء) وفعلاً يحدث!
فرضيّات لتفسير الظاهرة
المحللون النفسيون يرون في الديجافو تعبيراً عن رغبة قويّة لتكرار تجربة ماضية، أمّا الأطباء فيفسرونها على أنها حدوث عدم مطابقة (mismatching) في الدماغ يتسبب في جعل الدماغ يخلط بين الإحساس بالحاضر والماضي، أمّا علماء ما وراء الطبيعة فهم يعتقدون أنَّ الديجافو يتعلّق بخبرة حياتيّة ماضية عشناها قبل قدومنا إلى الدنيا في ذواتنا الحاليّة! وتلك ظاهرة أخرى تعرف بـ “تجربة ما قبل الولادة BBE” (اختصاراً لكلمة Before Birth Experience ) وعلى الرغم من التقدّم العلمي على جميع الأصعدة الطبيّة إلاّ أنَّ الغموض لا زال يكتنف ظاهرة ديجافو ورغم الفرضيّات والتخمينات التي حاولت تعليلها إلاّ أنَّ أياً منها لا يمكن البت به بشكل قاطع والمثير أكثر أنّ هناك ظاهرة معاكسة للديجافو! إنها ما يسمى بالـ Jamais Vu وهي الإحساس بأنَّ المألوف غريب وجديد وكأنّه يُصادف لأوّل مرة! وأيضاً لا يدوم هذا الإحساس إلاّ لجزء من الثانية. كأن تجلس مع أحد أصدقائك أو أفراد عائلتك ولوهلة تشعر وكأنك لم تره من قبل، كأنه شخص غريب!
1- فرضيّة مراكز الذاكرة في الدماغ
تفسّر هذه الظاهرة علمياً على أنَّ الدماغ عبارة عن مناطق وكل منطقة مسؤولة عن وظيفة، مثال: الرؤية تكون في مؤخرة الرأس، السمع على الجوانب وهكذا… وما يحدث أنّك عندما ترى شيئا يترجمه الجزء الخاص بالرؤية Visual Center وهذه هي وظيفته ترجمة الإشارات إلى صورة فقط أمّا فهم هذه الصورة واستيعابها أو تذكّرها إذا كانت مألوفة يكون في جزء آخر يسمى Cognitive Center في هذه الظاهرة يحدث في بعض الأحيان تأخّر بين العمليّتين وتمر برهة من الوقت تدخل فيها الصورة إلى مركز الذاكرة قبل الـ Cognitive Center، ثم تذهب الصورة إليه لاحقا فيظن الدماغ أنّه رآها من قبل. وتحليل آخر يرجّع هذا الأمر إلى أنَّ تواجدك في هذا المكان أو الموقف يترجم الأحداث إلى إشارات في الأعصاب، فترسل الأعصاب هذه الإشارات إلى مركز الذاكرة القصيرة (Short Memory) ليتم حفظها هناك وتكون هذه العمليّة سريعة جداً أقل من جزء من الثانية، ولكن يحدث في بعض الأحيان أن ترسل الأعصاب نفس الإشارات إلى مركز الذاكرة الطويلة (long memory) بالخطأ، فنشعر بانَّ هذا الموقف قد مرَّ بنا من قبل. وللعلم مركز الذاكرة الطويلة هو المكان الذي يحفظ فيه أحداث قديمه يمكن استرجاعها مع الزمن.
2- فرضيَّة نصفي الكرة الدماغي
جميعنا يعلم أنَّ الدماغ مكوَّن من جزئين: أحد هذه الأجزاء متقدّم قليلا أي بارز قليلا عن الآخر، وعند إستقبال الدماغ لأي إشارة أو صورة يستقبلها الجزئين معاً، لكن في بعض الأحيان يستقبل ذلك الجزء البارز أو المتقدّم قبل الأخر بثواني بسيطة جداً، ثم ترسل للجزء الآخر الذي به يتم الاستيعاب الكامل لكل ما نستقبله من صور وأصوات وإشارات ضوئيّة وغيرها. فعندما يستوعب المرء المكان أو الصورة التي أمامه يشعر أنه قد رآها سابقا ولكن الصحيح أنه قد خزّنها في الذاكرة القصيرة قبل أن يتم استيعابها كاملاً، كل هذا يتم في ثواني معدودة.
3- فرضيَّة عالم الأحلام والروحانيّات
إنَّ ما نمر به من أحدث نشعر وكأنّها مكررة أو صورة أخرى من موقف مضى ما هو إلاّ نسخة لحلم قد حلمناه مسبقاً لكننا نسيناه ولم نتذكره، وحين يحدث نفس الموقف في حياتنا العمليَّة نتذكّر أننا قد مررنا بنفس هذا الموقف أو المشهد من قبل. فنحن يومياً نحلم بكل ما يدور في اليوم الآخر لكن بطبع الإنسان ينسى كل ما يحدث فنتذكر ما يمكن تذكّره، كما يؤكّد بعض العلماء أنه يحدث أحيانا أثناء النوم أن يمر الإنسان بمراحل شفافة للوعي وللروح ولاستقبال الرسائل الكونيّة أي أنه يحلم أو يرى أجزاء من حياته أو مستقبله كما يحدث في الرؤية الصادقة. فالنوم هو مفارقة النفس للجسد مفارقة جزئيّة، وعندها تفارق النفس الجسد وتسبح في الفضاء وأيضا فهي تلتقي مع نفوس أخرى ربما يكون أصحابها على قيد الحياة وربما يكون مضى وقت طويل على وفاتهم. ومن هنا يأتي تفسير منطقي للاتصال بين أناس على قيد الحياة وآخرون مضى على وفاتهم وقت طويل ومن خلال ذلك يأتي تفسير منطقي آخر لظاهرة استحضار الماضي واستقراء المستقبل. وتلتقي تلك النفوس مع بعضها في ما يسمى بالبرزخ وهناك يحدث بين الأرواح ما لا ندركه بعقولنا الظاهرة ولا نستطيع تذكّر شيء منه في حال يقظتنا ولكن ربما يحدث بالصدفة أن نسمع قولاً أو نشاهد مشهداً يخيّل إلينا أننا رأيناه من قبل وتتفق الرؤى نفسها لدى أكثر من واحد من المشتركين في نفس المشهد أو الموقف. ويوجد العديد من المواقف التي من ضمنها رؤية إنسان في المنام لشخص يجلس معه ويخاطبه في حين أنه ميت من عشرين عاما وقدم إليه في المنام ليحذّره من أمر هام أو يوصيه وصيّة أو يطلب منه تكفير خطيئة أو ذنب، وهذه حدثت كثيراً، وهو يؤكّد مبدأ الاتّصال بين العوالم. فالنفس تنفصل عن الجسد في حالة النوم وتسبح في محيطها الخارج بعيداً عن إدراكنا الحسّي. بعض العلماء يعتقدون أنَّ الإنسان كان قبل أن يخلق في عالم يسمى عالم الأرواح، وفي هذا العالم جرت له العديد من الأحداث والوقائع المشابهة والمطابقة لما يحدث له على الأرض، حتى تكون الأحداث متماثلة إلى درجة التطابق، ويرى البعض أنّ الحياة الدنيا ما هو إلا نسخة لتلك الحياة وهي (كرة) أو محاولة ثانية أعطيت للإنسان ليمارس فيها مفهوم التقرّب إلى الله والعبادة مرّة أخرى. لذلك فعندما نمر بحدث أو واقعة ما ونشعر بأننا قد مررنا بها قبل ذلك فهذه عمليّة تذكّر للحياة التي عشناها في عالم الأرواح. ويرى البعض أنَّ الإنسان تُعرض عليه مسيرة حياته قبل أن يخلق في الحياة عند الله ثم تنفخ فيه الروح في بطن أمه ومن ثم قد يتكرر مشهد (ديجافو) من العقل الباطن أو من الذاكرة القديمة الأولى.
4- فرضيّة علم ما وراء النفس (الباراسيكولوجيا)
يرى بعض علماء الباراسيكولوجيا أو علوم التفسير العلمي للظواهر الخارقة أنَّ ظاهرة الديجافو هي جزء من الحاسّة السادسة، بحيث استطاع وعي الإنسان وعقله أن يصل إلى الحدث ومفرداته ووقائعه قبل حدوثه بلحظات قليلة جداً، وعندما مرّ الحدث بان وكأنّه مر به الإنسان من قبل أو أن يكون قد رآه قبل هذا اليوم. فالعقل اللاشعوري ـ أو الباطن ـ هنا يكون قد سجّل معلومات في فترة قريبة مع العقل الواعي، لذا يتوهّم الشخص أنّه مرّ بالتجربة.
أخيراً، ورغم تنوُّع التفسيرات التي تناولت تلك الظاهرة إلاّ أنّها ما زالت تحيّر العلماء إلى يومنا هذا.